الأحد، 12 يناير 2014



الشق ودوره في المجتمع البدوي

الباحث أ. عرفان حمد أبوهويشل


الشق هو مجلس الرجال, ويطلق عيه أيضاً اسم "المقعد". وكل مجموعة بيوت متقاربة يكون لها شقها الخاص ويكون في بيت شيخ العشيرة أو في بيت رجل بارز, وكشرط ضمني يجب أن يكون هذا الرجل قادرا ماديا وذلك لإكرام الضيوف وحيواناتهم, حيث أن ركوبة الضيف يجب إكرامها مثلها مثل الضيف. كما يجب أن تتوفر لصاحب الشق عزوة بحيث يفرضون النظام داخل الشق وخاصة في جلسات القضاء.
ويختصر هذين الشرطين قولهم (مال ورجال) أي أن يكون لديه مال ورجال تحت إمرته.
ويمثل الشق عنصراً أساسياً في حياة المجتمع البدوي حيث يؤدي العديد من الوظائف, بحيث لا يمكن تصور حياة البدو بدونه, ومن أهم هذه الوظائف:

أولا: الدور الترفيهي:
يجتمع الرجال في الشق للسمر وتناول القهوة وهي المشروب الوحيد لدى البدو, حيث أن لشرب القهوة طقوس معينة يحافظ عليها البدوي بدقة, ويجتمع الرجال يوميا في أوقات شرب القهوة وهي:
1ـ بكرج الصبح: ويكون بعد صلاة الفجر
2ـ بكرج الضحى: (بكرج حومة الطير) ويشربه الرجال الذين ليس لديهم أعمال في هذه الفترة من النهار
3ـ بكرج العصر: بعد الغداء والقيلولة
4ـ بكرج التعليلة : بعد صلاة العشاء
ومن الجدير بالذكر أن شرب القهوة في المجتمع البدوي لا يتم إلا في الشق إلا إذا كان الفرد
يسكن منفردا وبعيدا
ومن هذا نرى أن الاجتماع في الشق يغطي اليوم بأكمله تقريبا فلا يذهب الرجال لبيوتهم إلا للنوم فالشق ناد مفتوح بدون رسوم أو مواعيد.
وفي جلسة الشق يتبادل الرجال الطرائف والقصص والحديث وقد يأتي رجل غريب فيحدث الجالسين عن أمور لم يروها ولم يسمعوا عنها من قبل, وبذلك يتسع أفق الجالسين ويطلعون على الأحداث التي تتم خارج القبيلة.
وقد يمر بعض النور المتجولين فيعرضون ألعابهم وألعاب حيواناتهم كالقرود, فيستمتع بها الجالسون.
وفي شهر رمضان يتناول جميع الرجال طعام الإفطار في الشق حيث يحضر كل منهم إفطاره معه.

ثانيا: الدور التثقيفي:
يلتزم البدو في جلسة الشق بعادات وآداب خاصة منها الالتزام بالمجلس وعدم التنقل من مجلس لآخر في الجلسة الواحدة (المقاعد ملازم) وفيه يشهد البدو جلسات القضاء التي تعقد في الشق حيث يستمعون إلى حجج (دعاوي) الطرفين وحكم القاضي ..
وقد يأتي إلى الشق أحد الشعراء بربابته  ويغني قصائد الشعر على الربابة فيطرب السامعين,
والبدوي حاد الذكاء ويمتلك قدرة نادرة على الحفظ السريع فيكفي أن يستمع لقصيدة شعرية أو مقولة لمرة واحدة فقط فيحفظها ثم يرويها للآخرين.
ولا يقتصر الدور التثقيفي على الرجال البالغين بل يتعداه إلى الفتيان حيث يجلسون مع الكبار ويلتزمون بآدابهم ويتشبهون بالكبار. والبدو بفراستهم يعرفون الفتيان النجباء من تصرفاتهم ويتنبئون لهم بمستقبل بارز في مجتمع القبيلة, ولذلك فالبدو يقولون في أمثالهم؛ (المجالس مدارس) حيث يتعلم الصغار من الكبار.

ثالثا: الدور الإعلامي:
في المجتمع البدوي لم يكن هناك مذياع أو تلفاز أو جريدة, لذلك فقد كان الشق هو مصدر الأخبار الوحيد بالنسبة للبدو.
وأما بالنسبة لمصادر هذه الأخبار فهي:
1       ـ الرجال العائدون من أسواق المدن المجاورة حيث ينقلون ما شاهدوه وسمعوه من أخبار
2       ـ الرجال المارون من خارج القبيلة حيث ينقلون الأخبار التي يحملونها من خارج القبيلة مع العلم بأن هذه "الشقوق" كانت تقام في الغالب بجانب الطرق وكان من المعتاد أن ينحرف المسافر عن الطريق ويتجه إلى الشق ويشرب فنجان قهوة ويسمي (فنجان ظهيري) أي أنه يشربه ثم يتابع سيره على ظهر جملة
3       ـ الباعة المتجولون: حيث يقدمون ببضاعتهم من المدن المجاورة
وتنتقل هذه الأخبار من الشق إلى التجمعات الأخرى في الصحراء كالرعيان والنساء. وأما إذا كان هناك خبراً مهماً فإن شيخ العشيرة يقوم بدعوة الرجال للشق لإعلامهم بالخبر

رابعا: الدور العسكري:
إذا قامت الحرب بين قبيلة وأخرى أو بدأت بوادر الصراع, يتحول الشق إلى مجلس عسكري حيث يجتمع فيه قادة القبيلة ورجالها المحاربين ويتم فيه إعداد الخطط العسكرية وتوزيع الأدوار وعقد التحالفات حيث يكون الشق بمثابة المجلس العسكري دائم الانعقاد.

خامسا: الدور القضائي:
يمثل الشق دور مبنى المحكمة حيث تعقد بداخله جلسات القضاء حسب مواعيد متفق عليها مسبقا فيحضر كلا الطرفين في الموعد المحدد, وبما أن جلسة القضاء مفتوحة للجميع فيجوز لكل من يرغب أن يحضر هذه الجلسة, وكلما كانت القضية مهمة كان عدد الحضور أكبر

سادساً: الدور التشاوري:
يمثل الشق مجلساً للشورى في الحالات التي يتطلب الأمر فيها مشاورة أفراد القبيلة في موضوع معين, حيث يجتمع كل الأفراد المعنيين, ويتم تداول الرأي في ديمقراطية مباشرة عز وجودها في أعرق الدول التي تدّعي الديمقراطية

من كل ما سبق ندرك بأن الشق كان يلعب دوراً محورياً في حياة البدو, وما كان للمجتمع البدوي أن يعيش بدونه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق