الأحد، 27 أبريل 2014

قضاء بئر السبع

النقب لغة؛ هو الطريق في الجبل, والجمع "نقابة", ويمثل إقليم النقب القسم الجنوبي لفلسطين، وتبلغ مساحه قضاء بئر السبع 12.577كيلومتر مربع، أي ما يعادل (47.8%) من المساحة الكلية لأقضية فلسطين الستة عشر والبالغ مساحتها (26,323.02498 دونمات).
ويمثل النقب مثلثاً تمتد قاعدته من مدينة غزة إلي جنوب البحر الميت, حيث تم اختيار خط العرض المار بمدينة بئر السبع كحد شمالي للنقب, ورأسه عند خليج العقبة.
وتقدر المسافة بين شمال النقب وجنوبه بنحو 250كم، والعرض الأقصى في قاعدة مثلث النقب بين البحر الميت وجنوب غزة ب 125كم، ثم يتناقص هذا العرض حتى يصبح 10.5كم فقط عند خليج العقبة.
وللنقب حدود واضحة في الشرق حيث يرسم وادي العربة وحافات النقب الصخرية الحدود بين فلسطين والأردن، ويمثل الجانب الغربي للنقب الحدود بين النقب وشبه جزيرة سيناء والتي تم ترسيمها بين الدولتين العثمانية والإنجليزية في 1/10/1906م بواسطة لجنة مشتركة. والتي يبلغ طولها 245 كيلومتر

النقب إدارياً
في أواخر عهد الدولة العثمانية, كانت القبائل التي تسكن منطقة النقب تابعة إداريا لمدينة غزة, ويسمى أهلها ب (عربان غزة)
قررت الدولة العثمانية فصل قبائل النقب إدارياً عن قضاء غزة, حيث أنشأت قضاء النقب سنة 1900م, وتقرر تأسيس مدينة بئر السبع كمركز لهذا القضاء, بسبب موقعها على مفترق الطرق, ووجود مصادر للمياه في المنطقة, ولوقوعها في مركز متوسط بالنسبة للقبائل البدوية.
النقب تحت الحكم البريطاني:
قسم الحكم البريطاني فلسطين إلى عدة ألوية, منها اللواء الجنوبي الذي كان مركزه مدينة غزة, وكان يرأسه حاكم اللواء, وكان قضاء بئر السبع يتبع لواء غزة حيث كان يرأسه مساعد حاكم اللواء وهو إنجليزي. وكان يساعده حاكم إداري (قائمقام) وكان عربياً, كما كان يساعده قائمقام مالي وهو عربي كذلك




قبائل النقب
1-   قبيلة الترابين:
وهي أكبر القبائل في النقب وأغناها أرضاً، وتقع أراضي هذه القبيلة غربي قضاء السبع في المنطقة الواقعة من "عوجة حفير" في الجنوب وحتى وادي الشريعة في الشمال, ومن الرحيبة في الشرق وحتى عبسان في الغرب. أي أنها كانت تحتل المنطقة الواقعة غرب وجنوب غرب مدينة بئر السبع. وتحدها قبيلة العزازمة من الجنوب والشرق, وقبيلتي التياها والحناجرة وقد بلغ تعدادها حسب إحصاء حكومة الانتداب البريطاني في سنة 1946م (32.381) نسمة.

2-   قبيلة التياها:
وتسكن هذه القبيلة في المنطقة الواقعة حول بئر السبع والأراضي الواقعة بين قضاء الخليل والبحر الميت. وتحد أراضي هذه القبيلة من الجنوب أراضي الترابين والعزازمة, ومن الغرب أراضي الترابين والحناجرة, ومن الشمال الشرقي أراضي قبيلة الجبارات, ومن الشرق البحر الميت, ومن الشمال أراضي القيسية التابعين للواء الخليل.
ويتبع هذه القبيلة الظلام·.
وقدر عددهم في إحصاء صيف 1946م ب(25.153 ) نسمة

3 ـ قبيلة الجبارات:
وتقع أراضي قبيلة الجبارات خارج النقب, ولكنها تقع ضمن حدود قضاء بئر السبع, وتقع في الشمال الشرقي من مدينة غزة, وتمتد أراضيها على طرفي وادي الحسي المار بين غزة وعسقلان, وتحدها من الشرق أراضي قرية الدوايمة التابعة لقضاء الخليل, ومن الشمال أراضي الفالوجة وعراق المنشية, ومن الغرب أراضي قرى المَحَرَقة والكوفخة وبرير والهوج التابعة لقضاء غزة, ومن الجنوب أراضي قبيلة التياها.
وقد بلغ عدد أفراد هذه القبيلة حسب إحصاء سنة 1946م حوالي              ( 7.528 ) نسمة.
4        ـ قبيلة الحناجرة:
وتتكون هذه القبيلة من عشائر البدارين والعرابين والنعيمات وحناجرة الحمادات (عشيرة السميري وعشيرة أبوظاهر).
ويسكن أفرادها في الجنوب الشرقي من غزة, في المنطقة الواقعة من وادي غزة على ساحل البحر المتوسط وحتى حوالي منتصف المسافة بين غزة وبئر السبع, وتقع أراضيهم بين قبائل التياها من الشرق والشمال والتر وقد أضيف إلى قبيلة الحناجرة من الناحية الإدارية قبيلة النصيرات, مع أنها قبيلة مستقلة بذاتها. ويجب ملاحظة أن كل إحصائيات قبيلة الحناجرة تحوي في داخلها بيانات قبيلة النصيرات.
وقد بلغ تعداد قبيلة الحناجرة (مع النصيرات) في تعداد سنة 1946م حوالي (7.125) نسمة
5 ـ قبيلة النصيرات:
وتسكن هذه القبيلة شمال وشرق دير البلح في منطقة الدميثة ومنطقة الزوايدة, ووادي السلقة شرق دير البلح.
وكانت هذه القبيلة تُحسب في السجلات البريطانية على أنها جزء من قبيلة الحناجرة، ولذلك لا تظهر لها سجلات خاصة بها,  والصحيح أنها قبيلة مستقلة بذاتها.



6 ـ قبيلة العزازمة:
وهم من ناحية النسب من قضاعة, وتقع مساكنهم في جنوب مدينة بئر السبع في الجزء الأوسط والجبلي من النقب, ويجاورهم التياها من الشمال الشرقي والترابين من الشمال الغربي والسعيديون والأحيوات من الشرق والجنوب.
وقد بلغ عدد أفراد هذه القبيلة حسب إحصاء سنة 1946م حوالي              (16.370) نسمة.


7 ـ قبيلة السعيديون
 وهم فرع من قبيلة الحويطات الموجودة في الأردن, ويوجد تحالف بينهم وبين العزازمة. وتمتد أراضي هذه القبيلة جنوب الطريق الواصلة بين كرنب وعين الحصب في القسم الشمالي من وادي العربة. قدر عددها مع الأحيوات سنة 1946م ب(3.367) نسمة
8 ـ الأحيوات (فرع الخلايفة):
 وهم امتداد للأحيوات القاطنين في صحراء سيناء التابعين لمصر. وتقطن القسم الجنوبي من وادي عربة المتاخم للعقبة بين سيناء وشرق الأردن, ومن مواردهم؛ قصر الدل, عين غضيان, تل الخليفة, المرشرش (إيلات).
وبلغ تعدادها مع قبيلة السعيديين في سنة 1946م (3.367)  نسمة.
جدول يبين عدد سكان قضاء بئر السبع حسب إحصاء سنة 1946م:

البيان
عدد الأفراد
ملاحظات
مدينة بئر السبع
5.570
أغلب سكانها حضر
قبيلة الترابين
32.381

قبيلة التياها
25.153

قبيلة العزازمة
16.370

قبيلة الجبارات
7.528

قبيلة الحناجرة والنصيرات
7.125

قبيلة السعيديون والأحيوات
3.367

الإجمالي
97.494








· يسكنون إلى الشرق من العزازمة, وهم تابعين للتياها, أما من ناحية النسب؛ فهم من قضاعة كالعزازمة, وتمتد منطقتهم من "كسيفه" شمال وادي الملح حتى عبده وتل قيطوم

الأحد، 6 أبريل 2014

الأمثال والأقوال السائرة لبدو النقب وسيناء

  معاني ودلالات

للباحث عرفان أبو هويشل

   عرض وتعليق بقلم : م . غسان محمود الوحيدي 

ما زال تراثنا الشعبي همم يستحث الباحثين المخلصين للكتابة عنه والتنقيب في مجالاته المتنوعة , حفظاً له من الضياع أو تفسيراً له وتقريباً للمعنى من فهم الناس في زمن سيطرت العجمة فيه على كثير منهم , وكل جهد يبذل في هذا الباب هو جهد مشكور وعمل مبارك.

وإن كان هناك من الباحثين من سبق له الكتابة في هذا  في هذا المجال، نذكر منهم الباحث القدير عبد الكريم الحشاش الذي وضع عدة دراسات في الأدب الشعبي البدوي، لاسيما كتابه " الأسرة في المثل الشعبي الفلسطيني " . 

وإن كانت دراسات البعض يعتريها التداخل في مجالات التراث متناسين المساحة البدوية في مجموع تلك الأمثال، أو مهملين التمييز بين المناطق الفلسطينية وخصوصياتها.

فقد أجاد الباحث الأستاذ سليم المبيض في كتابه " الجغرافية الفلكلورية "  حيث اشتمل الكتاب على رؤية الباحث في ضرورة مراعاة الجغرافية في الفلكلور أو فلكلور الجغرافية ، لأن الفلكلور الشعبي يختلف في البادية عنه في  القرية أو المدينة , ذلك أن لكل منطقة خصائصها وخصوصياتها التي لا تخفى .

وحتى لا يتبادر لذهن البعض في التقليل من شأن هذه الدراسات وما تحمله في طياتها من مطاعن لتراثنا الفصيح، نؤكد على أن لتراثنا العربي الفصيح المكانة الأولى، والصدارة العليا.

ولكننا في بلادنا فلسطين، لنا خصوصية ومبرر في توثيق هذا التراث , لأننا أمام عدو يلتهم الأرض، ويغتصب المقدسات، ويسرق التراث.

لم يكتف بسرقة الأرض والمقدسات وما ألحق بها من أساطير, بل نازعنا حتى في الثوب الفلسطيني ، لما للثوب من دلالات ترتبط بالأرض، وكذلك الفلافل تلك الأكلة الشعبية على بساطتها , وكأنه لا يريد أن يبقي لنا أثرا يربطنا بالأرض أو الماضي , ولا يسعنا كفلسطينيين والحالة كذلك، ونحن أمام هذا العدو المتغطرس الذي فتح جبهات متعددة ، وأشعل حروباً متنوعة، إلا أن نرمي في كل مجال، ونتمترس في كل خندق، لأننا مجتمعين أمام هدف واحد، ومتفرقين كل منا على ثغر من الثغور، والعار كل العار لمن يؤتي من قبله أو في مجال تخصصه.

وتعتبر الأمثال في كثير من المواضع امتدادا للقيم الإسلامية والموروث العظيم , مما يعكس تأثر النفوس بديننا وصياغة أمثال انطلاقا من وعيها العميق لمدلولاته , إلا أنها لا تخلو من بعض الشطحات التي قد تتعارض مع الدين الحنفي , ونحن لا نسبغ عليها ثوب القداسة , فهي على كل حال انعكاس لعادات الشعوب وتقاليدهم , ولا عجب إن حملت في  تضاعيفها صورا مختلفة وربما كانت متناقضة أيضا , فالكتاب مرآة تعكس واقعا ينقل بأمانة وصدق .

استمرارا لذلك الجهد، وانتماء لهذه الأرض الطيبة ، وفي هذا الجو الملبد بالتحديات والظروف الاقتصادية الصعبة ، يطل علينا الباحث الكريم الأستاذ عرفان أبو هويشل، متسلحاً بالعزم والإصرار ليضع بين أيدينا كتابه الرائع "  الأمثال والأقوال السارة لبدو النقب وسيناء "  وقد اختار مجال الدراسة، وحدودها في جنوب فلسطين وسيناء، باعتبارها وحدة جغرافية واحدة، متجانسة إلى حد كبير.

ومن الطبيعي أن يكون العنوان بهذه الصورة , لأن سكان تلك المنطقة هم من البدو، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فيه إعطاء لتلك الشريحة من السكان خصوصية هي حق لها، بعدما ذوبها البعض في بحر التراث الفلسطيني العام، حتى التهمت حيتان البحر تلك الأسماك على كثرتها، وأوشكت على إنهائها، وتعتبر أصول الباحث البدوية إيجابية وسببا في نجاح هذا العمل، لأن مدلول بعض الكلمات الواردة في الأمثال وفهم روحها لا يقدر عليه إلا بدوي متمرس أمسك بطرفي الموضوع الشعبي والعلمي , كيف لا والباحث، حاصل على دراسات في العلوم السياسية ومارس التدريس وعمل في مجالات متعددة , وكتب القصة , كل ذلك مكنه من الإطلاع والبحث في هذا المجال، وإن كان هذا الكتاب قد تضمن أمثالا بدوية , فلا أزعم ويشاركني الباحث نفسه أنه قد أحاط بكل الأمثال في هذا المجال , فهو أمر مستحيل , ولقد لمست مقدار الجهد الذي بذله الباحث والعناء الذي تكبده في سبيل جمع مادة الكتاب , وطرق أبواب العارفين من الشيوخ لمعرفة الأمثال ومعانيها , وشاركته وجدانيا في ما تحمله في انتظار ما تجود به قريحة الشيخ بالمعنى , فمقابلة الرواة لا تتوفر فيها المعلومة في جلسة واحدة , وقد لا تكون المعلومة دفعة واحدة , وربما كان الحديث العابر شركا يصيد به الباحث مبتغاه دون تعمد أو قصد , جهد لا يعرفه ولا يقدره إلا من عرفه , وكما قال الشاعر : 

   لا يعرف الشوق إلا من يكابده        ولا الصبابة إلا من يعانيها 


 نعم لقد سلخ  الباحث من عمره سنوات طوال يجوب القطاع شمالاً وجنوباً، يسأل هذا ويستفسر من ذاك، حتى تجمع لديه مئات من الأمثال، هي حصيلة جهد دؤوب وعمل مضنِ، ولا عجب فقد عرفت المؤلف باحثاً يعمل بهدوء وينتج بصمت، خادماً لتراث آمن بأهميته، واقتنع بضرورة حفظه ودراسته، ولنسلط الضوء على هذا الكتاب نقول:" يأتي الكتاب كجزء من موسوعة خطط لها الباحث وأعدد مخطوطات لبعض الأجزاء منها، وآثر أن يكون كتاب الأمثال هو الجزء الأول كفاتحة طريق لهذا العمل الذي نرجو له أن يكتمل ويرى النور.


ونحن إذ نستعرض هذا العمل الفردي بفخر واعتزاز لنتذكر مقولة  دقيقة ووصفا صادقا للشاعر حافظ إبراهيم  , نعرضها بأسف شديد : أن العرب أفشلهم عملا على مستوى الجماعات وانجحهم على مستوى الأفراد.

وهي كلمة صحيحة فما أنتج على مستوى الأفراد كان أكثر وأفضل مما أنتج على مستوى المؤسسات  والجماعات , ولعل موسوعة بلادنا فلسطين لمصطفى مراد الدباغ خير دليل وأصدق شاهد، وقد سبقت الموسوعة الفلسطينية وإن كان لكل عمل خصوصيته، وظروفه.

شكلت الأمثال أداة بلاغية رائعة مثلها كمثل القصة والأسلوب التصويري في القرآن الكريم , قال تعالى : وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون .

كما تضمن الأدب العربي في العصر الجاهلي وما بعده , اهتماما واضحا في تعاطي العرب مع الأمثال , التي غالبا ما تكون عفويه بلا تكلف , وتمثل ثمرة تجربة , ونتاج جهد , فينطلق المثل مختصرا معبرا حاملا سمات تصويرية رائعة , يجد صداها في النفس , وتتناقلها الألسن وتتوارثها الأمم باعتزاز , كما قال الشاعر :

  فقال كلمة أصبحت مثلا          وصار الجيل بعد الجيل يرويها 


فلا عجب أن يكون للمثل مساحة في تراث البدو , باعتبارهم ورثة البلاغة عن أسلافهم .

وهذا الجهد الذي بين يديك أيها القارئ الكريم , ومن خلال دراستنا له , وجدناه كالآتي :

1-   جاء العنوان واضحا (الأمثال والأقوال السارة لبدو النقب وسيناء معاني ودلالات)، وليست دراسة مقارنة، وإلا طالبنا بإثبات ما يشابهه من أمثال قديمة فصيحة وغيرها، فالعنوان الواضح الجلي يحدد مجال الدراسة وأبعادها.


2- في خطوة ذكية من الباحث، وتوفيراً من عناء القارئ، وضع منهجه في المقدمة ليكون عقد اتفاق بين الباحث والقارئ، حدد من خلاله خطوط البحث وأدواته وأبعاده، فظهرت شخصية الباحث واضحة جليلة، بعيداً عن ضبابية مرتبكة تحير القارئ، وتجعله يتخبط في جمله من الأسئلة والمطالب، وهو ما يفتقده كثير من الباحثين في دراساتهم , والباحث يشكر على مقدمته الضافية التي أراح بها واستراح  .


3- حق للباحث أن يفرد مجالا لدراسته، وهو حرٌ في ذلك ما دام يحدد أدواته التي تتناسب وذلك المجال , وإن كنا نؤيد الباحث فيما ذهب إليه، إنصافا لشريحة كبيرة ظلمت وذاب تراثها حتى كاد أن يتلاشى ,  واجتهادا منه في تسليط الضوء على تلك الأمثال وما تكتنزه من معاني عميقة، وأبعاد سامية.


4- أحسن الباحث بأن قام بتشكيل الأمثال حسب النطق، لنصل بنفس النص الأصلي، وهو ما عمد إليه العلامة روكس بن زائد العزيزي في موسوعته الشهيرة " معلمة التراث " وكثير من العارفين الثقاة .


   5- قام الباحث بتقسيم تلك الثروة من الأمثال إلى حقول ومجالات وإن أخذت أرقاما متسلسلة، أظهرت عدد الأمثال كثروة كبيرة في رصيد التراث الشعبي .


6- يحسب للباحث أن عمله المكون من 237 صفحة قد خلا من أخطاء نحوية أو مطبعية، إلا في موضع واحد أو أثنين ومنها : مثال الجيم المصرية لكلمات ( قام – قال – قبر) كتبت بنفس الشكل والصواب أن تكون ( جام – جال – جبر .. ص 15), مما يدل على دقة الباحث واهتمامه بخروج العمل على أفضل ما يكون .


7 – أشار الباحث إلى أن الأمثال البدوية وغيرها، لا تنطبق عليها القواعد النحوية، وهذا صحيح، فحتى المثل الفصيح كثيراً ما يخرج عن القاعدة. ومنها المثل القديم : " إن أباها وأبا أباها بلغا من المجد غايتاها ".


وقول معاوية بن أبي سفيان الذي ذهب مثلا: " مكره أخاك لا بطل".

لأن معنى المثل وأبعاده تجاوز النحو إلى غاية أسمى وأبعد، ولقد وجدت لها مبرراتها عند النحاة القدماء.

8- الباحث بدوي ولا يخفى ما في البداوة من فطنة وذكاء وفصاحة ظاهرة، وإذا كان البدو في الجزيرة هم أهل الفصاحة، وكان العرب يودعون أبناءهم عندهم ، تدريباً لألسنتهم على الفصاحة، وعقولهم على الذكاء وسلوكهم على الاستقامة، وأسلوبهم على البلاغة، وكان سيد هؤلاء هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم  الذي تربى في بني سعد وهو سيد الفصحاء والبلغاء، حتى مدحه شوقي بقوله :


 فما عرف البلاغة ذو بيان                إذا لم يتخذك  له كتابا


ولا عجب أن يكون البدو اليوم هم ورثة البدو الأوائل، في البلاغة والفصاحة والإيجاز، ومعرفة معاني اللغة وأوابدها وشوا ردها .

ذكر خير الدين التنوخي أنه في أواخر العهد التركي، تخفى في بادية سوريا في ديار نوري الشعلان شيخ الروله، فكان يسامر الشيخ ويسمعه شعراً، ومنه قصيدة عمرو بن كلثوم، التي طرب لها الشعلان طرباً شديداً، حتى قال التنوخي : أن الشعلان لم يسأله عن معنى كلمة واحدة، لأن الرجل كان ملماً بها، فاهماً لكلماتها ومعانيها.

ولم تزل البلاغة حتى يومنا هذا تسكن قلوب البدو، وتختال في كلامهم فصاحة تسحر السامعين وتأسرهم.

فالمثل البدوي القائل: " سيور العلم يجيبنه الواردات ".

هو الوريث الشرعي لمقولة طرفة بن العبد في معلقته الشهيرة :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهله               ويأتيك بالأخبار من لم تزود

أو قولهم : ( الناس بتبكي مع الذيب وبتحاحي مع الراعي )

هو وليد لقول ابن المقفع القديم : 

رأيت الناس خداعاً بجانبك خداع
تبيت مع الذيب وتبكي مع الراعي

أو قولهم: " كل غايب يعود إلا غايب اللحود".

فهو من بقايا موروث قول الشاعر الجاهلي عبيد بن الأبرص :

وكل ذي غيبة يؤوب          وغائب الموت لا يؤوب

من هنا وجدنا الباحث يسرد مثلاً واحداً يحتمل معنيين، ويفسر كل معنى حسب الواقع الذي يضرب به، فاستطاع أن يصل إلى روح المثل متجاوزا كلماته القريبه , إلى معنى أبعد وأرحب .

وما نفع الباحث في هذا إلا أصوله البدوية، فضلاً عن أنها مكنته من التواصل مع الشيوخ والعارفين للأمثال في مظانها، والتفاعل معهم , إضافة إلى ثقافته وسعة إطلاعه .

وهذا الجهد الذي بين أيدينا كأي عمل بشري لا يخلو من بعض الهنات الهينات، لكنها تذوب  في زحمة عطاء متدفق , رائده خدمة تراثنا الأصيل ومنها :

-        تداخل بعض الأمثال، ولعل تشابه الحادثة في مجال ما مع مجال آخر يجعل الباحث مضطرا إلى تكرار المثل، مثلا المثل القائل: " اسأل عن الرفيق قبل الطريق، ذكر في الرفيق وتكرر في موضوع السفر".


-        هناك أمثال ذكرت بصور شتى، مما جعلها تبدو مكررة خاصة أن المعنى مشترك وواضح .


وربما كان من الخير لو أن الباحث ذكر صورة من المثل وشرحه، وألحق في هامش الصفحة المثل بصورته الأخرى , راجع على سبيل المثال ( ص 18، 25 وغيرها ) 

-         يحسب للباحث ما ختم بها الكتاب , باب تحليل الأمثال ومفردات البيئة البدوية من خلال الأمثال , متمنيا أن تكون تلك الصفحات مشروع عمل لقاموس المفردات البدوية , مع ذكر صورة كل كلمة عند كل قبيلة من قبائل بئر السبع لنحفظ تلك اللهجات الأصيلة , وقد أعد الدكتور عبد اللطيف البرغوثي رحمه الله قاموسه        (  القاموس العربي الشعبي الفلسطيني - اللهجة الفلسطينية الدارجة  ) بين فيه المفردات الفلسطينية , لتحفظ من الضياع أو النسيان .


وهي إضافة نوعية وموضوعية تأتي كاشفة لنواحي الحياة البدوية .

كما يسجل الباحث الأستاذ عرفان أبو هويشل بهذا الجهد إضافة مشكورة في هذا الصرح التراثي الشامخ، ليقف مع الرواد بجهده النوعي على قدم المساواة.

وبعد أن استمتعت بقراءة الكتاب وما تضمنه من أمثال جديدة و طريفة , أجد من الواجب أن أتقدم للأخ الباحث الكريم بشكرين :

الأول شكر وطني باسمنا كفلسطينيين لما أضاف من لبنة في هذا الصرح الوطني ليبقى منارة عالية , ليثأر من طوفان النسيان , وتغييب الذاكرة .

و الثاني :  شكر بدوي لما أسدى من يد بيضاء أسهمت في حفظ وإظهار تراث عزيز على نفوسنا ، و رسم صورة لهويتنا ستبقى محفورة في  سجل الخلود.

داعين له أن يمتعه الله بالصحة والعافية والقوة ليستكمل مشروعه التراثي ليرى النور قريبا .

اقرأ المحتوى الأصلي على دنيا الوطن http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/04/06/325685.html#ixzz2y8yzdAQD





الخميس، 3 أبريل 2014


                                                                زينة البدوية




                                                                    تل جمه





وادي الشلالة




                                                                  قافلة جمال



                                                                  وادي الشلالة

بياع الفتاوي

خفق قلبه عندما شعر بأن يده ترتجف .. حمد الله على أن ذلك لايحدث كثيراً, ولو أن نوبات الرجفة بدأت تتقارب .. عندما ذهب إلى الطبيب مؤخراً، أفهمه بأن ذلك من أعراض الشيخوخة، وبعد أن أعطاه بعض المهدئات، طلب منه الالتزام بالراحة التامة ..
جلس على مكتبه في البيت .. نظره هذه الأيام لا يساعده على القراءة إلا تحت ضوء قوي .. تذكر أيام كان يقرأ على ضوء القمر عندما كان طالباً صغيراً في قريتهم البعيدة .. خفق قلبه ثانية.                                                                                                                              قال لنفسه:
ـ منذ عُيّنت في وظيفة "المفتى" بدأت ظواهر الشيخوخة تغزوني بشكل سريع .. قبل ذلك كانت حالتي الصحية أحسن بكثير.
نظر إلى المكتب الفخم والفراش الوثير ثم مد بصره عبر زجاج النافذة فشاهد حديقة المنزل .. تمتم في نفسه:
ـ لقد كان الثمن غالياً ..
 كان عليه أن يُصدر فتوى ـ حسب طلب الرئاسة ـ بخصوص الأحداث الأخيرة والجماعة القائمة على تنظيم المظاهرات .. مد بصره نحو مكتبته الخاصة والتي كانت تغطي جانبين من الغرفة الواسعة .. كل كتب التفسير، وكل كتب الفقه والحديث كانت مرصوصة على الأرفف الأنيقة.
ألقى بظهره إلى مسند الكرسي وتمتم:
ـ كل هذه الكتب – رغم كثرتها–  لن تسعفني في موضوعي!
أغمض عينيه للحظة وطلب كوباً من الشاي، وبعد أن شربه فتح أحد أدراج مكتبه، وأخرج منها عدة كتب، كانت تحمل العناوين التالية:
*جامع الأركان في فتاوى السلطان.
*الحاوي في الحيل.
*الكنز الدفين في حيل الأولين والآخرين.
*التنوير في فن التحوير.
بدأ يتصفح هذه الكتب ويدون الملاحظات، وعندما كان يشعر بالرجفة في يده كان يستريح برهة ليتناول كوباً من الشاي بالنعناع، ثم يعود لكتابة حيثيات الفتوى المطلوبة.
عندما اقترب من النهاية، دخلت عليه زوجته .. كانت جيوش الشيخوخة قد بدأت تغزوها هي الأخرى، فرغم أنه يكبرها بعشر سنوات إلا إنه يبدو أكثر شباباً منها .. قال لنفسه:
ـ مسكينة، لقد أنجبت تسعة أبناء وبنات؛ أنجبوا حتى الآن عشرات الأحفاد والحفيدات.
فتحت الزوجة موضوع ابنهم الأصغر، وضرورة البحث له عن وظيفة وزوجة .. طمأنها بالنسبة للوظيفة قائلا بأنه سيستخدم نفوذه وصلاته مع كبار القوم لإيجاد وظيفة مناسبة .. ثم أردف ضاحكاً:
ـ وأما بالنسبة للزوجة فهذا من اختصاصك.
قال ذلك، وفتح أحد المجلدات، وكان هذا يعني انتهاء المناقشة، فغادرت الحجرة وهي تتمتم بما لم يفهمه.
قبل نشرة أخبار منتصف الليل، كان قد كتب فتواه والتي نصت على التالي:
"بما أن المظاهرات تمثل خلخلة لأركان النظام القائم وتشكك في أهلية ولاة الأمور الشرعيين، وتمثل نكثاً للبيعة، فإن من ينظم هذه المظاهرات أو يشارك فيها أو يؤيدها هو خارج عن الجماعة، حلال الدم والمال".
وبعد أن راجع فتواه من الناحية  اللغوية والإملائية، واطمأن إلى سلامتها، وضعها  تحت الوسادة لتسليمها في الغد.
فتح درج مكتبه وأخرج دفترين صغيرين كان عنوان الأول هو "الجن المحبوس في تنمية الفلوس" والثاني عنوانه "جامع الأصول في جني المحصول" ..
قام ببعض الحسابات الخاصة بأرصدته المالية، ثم تناول مخطوطاً معنوناً بالتالي "الحاوي في الفتاوى"، وخط فيه فتواه الجديدة، وتثاءب ثم نام.
*****
عاد المفتي في اليوم التالي مسروراً منشرح الصدر، يكاد يقفز من شدة الفرح، فقد قبض ثمن فتواه، بالإضافة إلي نجاحه في تدبير وظيفة مناسبة لابنه. وعندما زف الخبر لزوجته، فرحت كثيراً خاصة وأن هذا الابن كان "آخر العنقود".
غير ملابسه ونام.. صحا على حلم مزعج لم يخبر به زوجته، ولكن آثاره بدت في شكل تقطيبه مريعة بين عينيه .. قال لنفسه:
ـ اللهم اجعله خيراً.
في المساء كان ـ كالعادة ـ يجلس مع الأسرة في الصالة لمشاهدة أخبار التاسعة في "التلفاز" وغالباً ما يكون هناك ضيوف .. إحدى بناته وزوجها، أو أحد المعارف أو الجيران.
شّد انتباهه صوت المذيع يقول:
ألقت قوات الأمن القبض على تسعة عشر من مثيري الفتنة خلال مظاهرة جرت اليوم أمام القصر، وصرح وزير الداخلية بأنه سيتم تنفيذ الحكم الشرعي فيهم حسب فتوى فضيلة المفتي العام..
تمتم في نفسه:
ـ بهذه السرعة ؟! .. لو كنت أعلم بأن هذه الفتوى تهمهم إلى هذه الدرجة، لطلبت ثمناً أعلى .. شعر بأنه غُبن فخفق قلبه خفقة قوية.
صرخ حفيده قائلاً:
ـ انظر يا جدي! هاهو خالي في "التلفزيون" !
نظر الجميع نحو الشاشة .. يا للهول! كان أحد أبنائه يجلس في القفص مع المتهمين .. خفق قلبه خفقة شديدة .. ارتمى فوق "الكنبة" فترك الجميع مشاهدة التلفاز وأحاطوا به .. اتصلوا بالطبيب الذي جاء مسرعاً، وبعد الفحص قال بأنها بداية نوبة قلبية، وأن على المفتى أن يهتم بصحته ويريح نفسه .. وبعد أن كتب له بعض الأدوية أوصاه بالراحة التامة.
ولكن كيف يمكن أن يرتاح وابنه مع المتهمين، والعقاب الصارم ينتظره، ورغم ما به من ألم فقد قرر مقابلة وزير الداخلية.
*****
ابتدره وزير الداخلية قائلاً:
ـ أهلاً بسماحة مفتينا الأكبر .. إن كل المسئولين يشكرونك على فتواك الأخيرة حيث أنها ستساهم في استتباب الأمن في ربوع البلاد..
حاول المفتى مقاطعته قائلاً :
ـ ولكن ..
استمر الوزير قائلاً:
ـ إذا كنت ترغب في مكافأة أكبر فنحن على أتم الاستعداد .. إن عندنا بنود سرية تسمح بذلك .. المهم أن تكون مبسوطاً يا شيخنا ..
ـ القصة ليست موضوع مكافآت ..
ـ ماذا تريد إذاً .. نحن جاهزون.
تلعثم المفتى وجف ريقه .. خرج الصوت متحشرجاً:
ـ ابني.
ـ ابنك ؟! لقد تمت إجراءات تعيينه حسب الاتفاق.
ـ ابني الآخر.
ـ ماله؟
ـ إنه مسجون لديكم.
ـ مسجون ! .. وبأي تهمة ؟
ـ مسجون في حكاية المظاهرات ..
تصنع الوزير الأسى وقال:
ـ لقد سبق السيف العذل يا فضيلة المفتي.
ـ ما معنى ذلك؟!
ـ لقد تم الحكم على تلك العصابة المارقة، كما تم تنفيذ حكم الشرع فيهم .. لقد أعُدموا.
ـ وابني؟!
ـ إنه ليس من أهلك .. ألم يكن عدواً للقصر؟
ـ ولكن هذا الحكم قاسٍ وبشع وظالم!
ضحك الوزير ضحكة صفراء وقال:
ـ لقد تم الأمر بناءً على فتوى سيادة المفتي العام .. أم هل تراك نسيت؟ لقد قدر الزعيم جهودك وأمر لك بصرف مكافأة أخرى.

كان آخر ما رآه المفتي ضحكة الوزير الصفراء .. بعدها اختلطت الرؤى لديه .. قريتهم البعيدة .. زوجته .. بيته .. ناراً تشتعل .. يتغير لونها .. تزداد اشتعالاً .. تحاصره .. الكل يتفرج عليه ويضحك .. صاحب القصر والوزراء .. زوجته وأحفاده .. وبدأ يغوص في هوة سحيقة .. يحاول الصراخ .. فلا يستطيع.