الأربعاء، 15 يناير 2014


الخبز والدم

الليل مازال يحبو وئيداً, نظر أبوالعبد لساعته ربما للمرة العشرين بعد المائة .. تقلب في فراشه ثم غطي رأسه .. شعر بضيق .. رفع الغطاء .. حملق في سقف الغرفة وسرح بعيداً في داخل أفكاره التي بدت أمامه ككومة من الأشواك يصعب تفكيكها.
"غداً إضراب"
وغداً امتحان صعب لأبو العبد, وصعوبة هذا الامتحان نابعة من أنه إذا لم يذهب إلي عمله في المصنع في الغد فإن رب العمل اليهودي سوف يطرده من العمل, وإذا ذهب إلي عمله فالناس, كل الناس سيحتقرونه لأنه اخترق الإضراب .. فكر أبو العبد في نفسه قائلاً:
ـ "ولكن يا ناس إذا طُردت من عملي, فمن يعيل أسرتي البالغة أربعة عشر فرداً" ؟
ورد علي نفسه:
ـ "ولكن قضايا الوطن أهم من عائلتك يا أبو العبد, ولو أن كل واحد اهتم بنفسه فقط لما كان هناك وطن"
واضطربت الأفكار في رأس أبو العبد, وتابع النقاش بيته وبين نفسه:
ـ ولكن يا عالم الحكاية طالت وطولت, والجوع كافر كما يقولون, وما أحد بينفع أحد.
ـ الجوع خير من الموت يا أبو العبد .. صحيح .. قد تجوع أنت وأفراد أسرتك ولكن المئات استشهدوا والآلاف جرحوا ومثلهم لا يزالون يقبعون في السجون ولا يعلم بحالهم وحال أسرهم إلا الله.
ـ ولكن هؤلاء, وأولئك يحصلون علي الدعم من الخارج, ويتم الصرف علي عائلاتهم.
ـ الحقيقة ليست كما تسمع, علاوةً علي إن كل الأموال لا تساوي أنّة سجين بعيد عن أطفاله.
ـ ولكن الدنيا لا ترحم, والطلبات لا تنتهي, ورغم أنني منذ سبعة عشر عاماً وأنا أعمل بدون انقطاع فإن حالتي المادية صعبة, فالأفواه كثيرة والمتطلبات أكثر .. المدارس مثلاً, والعلاج والملابس ..
فجأة قطع عليه حبل أفكاره صوت المؤذن يؤذن لصلاة الصبح.
ـ هناك حل!
 قالها أبو العبد فجأة
ـ لماذا لا أذهب إلي العمل عن طريق البيارات, فلا يراني الناس, وأصيد عصفورين بحجر واحد"
 وبسرعة ارتدي ملابسه وخرج حذراً ألا يراه أحد, ودخل بيارة البرتقال متلصصاً متخيلاً أن كل أهل حارته يراقبونه.
فجأة .. من بعيد سمع صوت ضوضاء .. سيارات ثم مطاردة وإطلاق نار .. وقف مكانه مندهشاً لا يستطيع الحراك .. أقبل نحوه أربعة شباب ملثمين يحملون خامساً مصاباً بجراح خطيرة.
المطاردة ما زالت مستمرة, والسيارات والكشافات تتقدم, قرر الأربعة ترك الجريح ليتمكنوا من النجاة بأنفسهم, تركوه تحت شجرة وفروا في اتجاهات مختلفة.
تقدم أبو العبد نحو الجريح, فقد قرر مساعدته وليكن ما يكون .. انحني عليه .. يا للهول أنه ابنه العبد. احتضن ابنه وضمه إلي صدره .. كانت الجراح بليغة والدماء غزيرة, والمطاردة مستمرة والكشافات أضاءت الآن كل المكان.
وعرف الناس .. كل الناس بأن العبد استشهد علي صدر أبيه ذات صباح.    




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق