الجمعة، 3 يناير 2014

قصة قصيرة للكاتب / عرفان أبوهويشل

ولم يتم الفصل بينهما

حين يموت الفقير يعلم الناس بموته بسماع صرخة صارخة تطلقها إحدى محارمه أو كلهن، ويوم يموت الغني يعلم الناس بموته عن طريق الجرائد بعد أن يقتسم الورثة تركته.
وأما إذا مات الزعيم، فالأمر يختلف .. يتم التعتيم على الخبر حتى يتم الانتهاء من ترتيب إجراءات الجنازة حتى أدق التفاصيل .. في الغالب لا يتم الإعلان إلا بعد تصفية الخلافات على وراثة الزعيم وقد تتم تصفية الخلافات هذه بتصفية العديد من النفوس تقل أحياناً وتكثر أحياناً أخرى.
مات الزعيم .. أجتمع أقرب المقربين لمؤسسة الزعامة وبدءوا في البحث في أمر وراثته .. تم الأمر بسهولة، خاصة وأن المرحوم كان قد أوصى بمن يخلفه .. بقيت إجراءات الجنازة، تم الاتفاق على كل الأمور .. تم كل ذلك والمرحوم ما يزال يجلس ـ محني الرأس فاغر الفم على ـ الكرسي 
حاولوا رفعه من على الكرسي لتتم إجراءات التغسيل والدفن .. لعجبهم الشديد، كان ملتصقاً بالكرسي .. حاولوا نزعه فلم يستطيعوا .. اعتقدوا بوجود مادة لاصقة تربطه بالكرسي .. دققوا فلم يجدوا أي مادة لاصقة .. دققوا أكثر وجدوا أن أنسجة جسمه ومادة الكرسي تداخلتا بشكل يصعب فصله .. لقد أصبح جسم الرئيس والكرسي شيء واحد. فأطلت المشكلة برأسها .. ما الحل؟ .. كيف نفصل جسم الزعيم عن الكرسي حتى تتم إجراءات الدفن؟
أحضروا طبيبه الخاص .. فحص الجسم الملاصق للكرسي، فحص الجزء من الكرسي الملاصق للجسم .. وجد تشابهاً كبيراً بين أنسجة الجسم ومكونات الكرسي .. لكي يتأكد من الأمر أخذ عينة من جسم الزعيم وعينة من الكرسي وأرسلها للمختبر لفحصها .. لعجبه الشديد وُجد أنهما يتشابهان تشابهاً تاماً في المكونات .. وبناءً على ذلك قرر بأنه لا يمكن فصل الجثمان عن الكرسي إلا بعملية جراحية.
عقد اجتماع لبحث  الأمر .. حضره الطبيب وشرح لهم العملية موضحاً بأنها تتلخص في سلخ جزء رقيق جداً من جسم الزعيم وإبقاؤه ملتصقاً بالكرسي مؤكداً بأن ذلك لن يؤثر في مظهر الجثة ..
اعترض المفتي على ذلك مؤكداً بأن هذا الجزء مهما قل لا يجوز إبقاؤه خارج القبر، بل يجب أن يدفن مثله مثل باقي الجثمان.
احتاروا في أمرهم, وتعالى اللغط محاولين إيجاد مخرجاً لهذه المشكلة .. فلم يجدوا لها حلاً ..
تدخل أحد كبار القوم قائلاً بان الحل يتمثل في سلخ جزء من الكرسي ودفنه مع جثمان الزعيم ..
هنا تدخل الزعيم الجديد ورفض الاقتراح رفضاً باتاً لأنه تشاءم من ذلك ورأى في سلخ الكرسي فأل شر عليه ..
عَلا اللغط مرة ثانية وحار القوم في أمرهم خاصة وأن الوقت لم يعد يعمل في صالحهم فالجثمان بدأ ينتفخ, وانتشرت الروائح الكريهة تغزو المكان ..
تدخل مدير التشريفات معلناً بأنه وجد الحل ! .. نظر الجميع نحوه متسائلين .. قال:
ـ لكي نوفق بين رأي سعادة المفتي ورأي سيادة الزعيم أرى أن ندفن الجثمان مع الكرسي .. فلا الجثمان ينقص شيئاً ولا الكرسي يُمس .. فما رأيكم؟!
كانت الروائح الكريهة تزداد تمدداً في المكان ولذلك فقد رأى الجميع في هذا الحل حلاً لمشكلتهم أنفسهم فوافقوا عليه بالإجماع.
ولكن برزت على السطح مشكلة وهي كيفية إتمام إجراءات مراسيم الجنازة والجثمان ملتصق بالكرسي .. لقد تم الترتيب على أساس أن الجثمان سيسجى على عربة مدفع، أما وهو ملتصق بالكرسي فكيف ستتم مراسيم الجنازة والدفن؟!  
بالإضافة إلى أن الزعيم كان قد جهز لنفسه ضريحاً يليق بمقامه بعد الموت، وأحضر له الرخام والبنائين من إيطاليا، أما الآن ـ وهو ملتصق بالكرسي ـ فلن يستطيعوا دفنه في هذا الضريح إلا بعد تحطيمه وتوسيع المكان ليتسع للكرسي مع الجثة .. مشكلة حقيقية واجهت الجميع زاد في حدتها أن الذباب الأزرق بدأ ينتشر في المكان بطنينه المشئوم .. وكلما انتفخت الجثة أكثر كان عدد الذباب الأزرق يزداد ويغزو الأحياء أيضاً مما أثار الهلع في نفوسهم.
المشكلة إذاً تزداد تعقيداً ولا أمل في الحل .. نظروا جميعاً إلى مدير التشريفات عله يجد للأمر مخرجاً كما وجد لموضوع فصل الكرسي عن الجثة .. فكر المدير .. هدت ذبابة زرقاء على رأسه الأصلع .. تظاهر بعدم الاهتمام .. هدت ذبابة ثانية على أنفه .. قال لهم:
ـ هل تريدون فعلاً إنهاء هذه المشكلة؟
ردوا بصوت واحد وهم يطردون الذباب الأزرق عن أنوفهم :
ـ نعم.
قال لهم متصنعاً الحكمة:
ـ السياسة هي فن الممكن .. والممكن الآن هو أن ندفن الزعيم في حفرة تتسع له وللكرسي في أحد جوانب المقبرة .. ونعلن للناس بأن ذلك تم بناءً على وصية الزعيم .. كان الذباب الأزرق هو المجيب، فأجابوا جميعاً:
ـ خيراً اقترحت يا سعادة المدير.
وفعلاً تم دفن الزعيم بليل، ولكنهم لم يستطيعوا أن يدفنوا معه الذباب الأزرق، فظل منتشراً في أرجاء المكان.
                                                                                                                   

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق