الثلاثاء، 18 مارس 2014


الأسرة في التراث البدوي


تمثل الأسرة البنية الأساسية في المجتمع البدوي, ولما للأسرة من أهمية في تربية الأبناء وبناء العلاقات مع الأقارب والأصهار. فقد أفرد لها التراث البدوي حيزاً كبيراً في جنباته.
 تبدأ الأسرة باختيار الزوجة المناسبة, وهنا لابد من التنويه إلي أن المجتمع البدوي يركز في اختيار الزوجة علي الأصل والحسب والنسب أكثر من تركيزه علي الجمال .. فلابد من البحث عن "بنت الجمل والناقة", أي الأصيلة و"المنسبين جدودهي". ذلك لأن "ثلثين الولد لخاله". إن خيراً فخير وإن شراً فشر .. وكما يحث العرف البدوي علي البحث عن الزوجة المناسبة لأبنائه فإنه يحث علي البحث عن الزوج المناسب لبناته "دور لبنتك زي ما بدّور لولدك". ولكن رغم البحث والتنقيب عن الزوجة المناسبة, فقد لا يكون الاختيار صائبا ف "الشراوي نقاوي والجيزات بخوت". أي أن الحظ يلعب دوراً كبيراً في الزواج .. ومهما جدَّ الإنسان في البحث عن الزوجة المناسبة فيبقي العقل هبة من الله, ولا يعلم بما في الغيب إلا الله سبحانه وتعالي, فالأمر لا يعدو "أعتاب وكعاب ونواصي", والأعتاب كناية عن المساكن, والأكعاب كناية عن الزوجات, والنواصي كناية عن الخيول, وأنت وحظك .. ومن تجربة الحياة يتأكد الناس إن "كل فرج وناكحه, من حلال ومن حرام", فهذه أمور مسجلة في علم الغيب, وليس علي الإنسان إلا الاجتهاد في البحث والتقصي, والباقي علي الله.
وابن العم في المجتمع البدوي, له الأولوية في الزواج من ابنة عمه, حتى ولو لم تكن راضية عن هذا الزواج, ف "ابن العم بينزل عن الفرس", أي حتى لو خُطبت الفتاة لرجل أخر, فلابن عمها  الحق في أن يُبطل هذه الخطوبة ويتزوجها, ولقد جرى العرف علي ذلك.
القصله: عندما يخطب أحدهم ابنة أو أخت رجل أخر وتتم الموافقة فإن ولي المخطوبة يتناول عوداً من الأرض ويناوله للخاطب قائلاً:
ـ هذه قصلة فلانة على سنة الله ورسوله
وهذه الموافقة بهذه الصيغة ينظر إليها البدو كأوثق المواثيق المكتوبة
وعندما ينوي أحدهم الزواج تقام الأفراح والليالي الملاح, والتي تتمثل في إحياء الليالي قبل موعد الزواج بِعِدة ليالي بالدحية والسامر حيث يجتمع أبناء الحي والأحياء المجاورة لحضور هذه الليالي والاشتراك في الدحية والسامر, وتحضر النساء هذه الأفراح وتستطيع سماع ومشاهدة كل شيء من مكان منفصل عن الرجال. وأما في يوم الزواج الموعود فيأتي أهل العريس إلى بيت أهل العروس ويأخذون عروسهم على جمل إلى بيت الزوج,  فتسكن هي وعريسها الثلاثة أيام الأولى في بيت صغير يسمى "البرزة" بجانب بيوت أهل الزوج، وبعد انتهاء الثلاثة أيام يعود الزوج وزوجته لزيارة أهلها ثم يعود ليسكن في بيته المستقل أو في بيت الأسرة الكبيرة.
وفي يوم العرس يذبح أهل العريس ما يقدرون عليه من الحيوانات ويقومون بصناعة موائد كبيرة يأكل منها كل الحاضرين. ويُحضر الأصدقاء والأقارب معهم هدايا من الأغنام تسمى (القَوَدْ)
وإذا قدر الله، وتزوج الرجل، فلابد من إظهار شخصيته القوية تجاه زوجته ف" اللي بيستحي من بنت عمه ما بيجيب منهي غلام", ولكن على الزوج ألا يحاسب زوجته على كل صغيرة وكبيرة, لأن "من حاسبهي فارقهي"
وبما أن الإنسان قد تزوج فهنا تنشأ علاقة اجتماعية جديدة مع أهل الزوجة "كون نسيب ولا تكون قريب" وذلك لأن "الأقارب كالعقارب"
وفي الغالب تكون نتيجة الزواج هي إنجاب الأولاد والبنات، و"إذا كبر ولدك خاويه"، أي لا تعامله معاملة ولد صغير بل كما تعامل أخيك "وإن طلعت دقن ولدك زين دقنك", لأن الولد عندما يكبر تكون له شخصيته المستقلة
وأما البنات فلابد من الاهتمام بتربيتهن، "البنت إن ما خافت، استحت"
والأب مسئول عن بناته حتى بعد أن الزواج،  ف"هم البنات للممات" و"خيرهي لجوزهي وشرهي لأهلهي"
والبدو يفضلون الأولاد على البنات، حيث "من خلف ما مات" لأن الأولاد يحفظون اسم الأسرة، ويقاتلون في الحروب القبلية ويقومون بأعمال الزراعة والرعي، والمثل يقول "عد رجالك وأورد المية"، فكلما كان عدد الذكور أكبر كلما كان ذلك دليل على القوة والمهابة
وبما أن كثرة الأولاد "العزوة" أمر مطلوب لدى البدوي فهذا يدفعه لأن يتزوج بأكثر من واحدة ف"الخير أبو ثنتين وثلاثة" ولكن عندما يتزوج الرجل بالزوجة الثانية، فهنا تكون الضرة، وما أدراك ما الضرة ف"الضرة ضرة، ولو كانت قعمرة جرة", وهنا يشترطون لمن يريد أن يتزوج الثانية أن يكون "يا قادر يا فاجر", أي قادر مادياً أو قوي الشخصية, وإلا فإنه سوف يكون أضحوكة بين الناس
وقد يتزوج الرجل من امرأة معها أولاد من زواج سابق، ففي الغالب تكون علاقتهم مع زوج أمهم غير جيدة "يا همي من جوز أمي" وهناك مثل آخر يدور حول نفس العلاقة يقول:
"قال الولد لعمه وديه أنام بعيد عنك
رد زوج أمه عليه :بتريحني من ريحة فساك"
وفي كلتا الحالتين، فالأمثال تعبر عن عدم الانسجام بين ابن الزوجة وزوج أمه
وهناك عادة كانت شائعة بين البدو مع أنها محرمة دينياً، ذلك هو زواج الشغار "البدل"، بحيث يربطون بين مصير الزيجتين, فلو فشلت أحداهما فالأخرى محكوم عليها بالفشل أيضاً, وقد اقتنع البدو بمساوئه، فالمثل يقول:
"البدل قلة عدل".
 وحتى أنهم لا ينصحون بتزويج البنت أو الأخت في المكان الذي سبق لهم الزواج منه "مطرح ما تأخذ لا تحط" أي لا تزوج ابنتك أو أختك إلى من تزوجت منهم، وذلك حتى لا تؤثر إحدى الزيجتين على الأخرى، ويصبح الأمر وكأنه زواج بدل.

مما سبق تتضح لنا شبكة العلاقات الأسرية في المجتمع البدوي عبر تراثهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق