دنيا الوطن ـــ ثقافة
تاريخ النشر : 2015-06-16
ثقافة / موسوعة التراث الشعبي البدوي بقلم : حماد صبح
صدر في العام الماضي الجزء الأول من " موسوعة التراث الشعبي البدوي
" لعرفان أبو هويشل ، وخصه ب " الأمثال والأقوال السائرة لبدو النقب وسيناء
" وما فيها من معانٍ ودلالات جلاها بشرح لكل مثل . ويبين الباحث في مقدمة الموسوعة
سبب انصرافه لتأليفها ، ويقول إنه قلة ما كتب في هذا الميدان ، وغربة الذين كتبوا هذا
القليل عن البدو لغة وثقافا واجتماعا الأمر الذي أوقعهم في أغاليط تبدو أحيانا مضحكة
. ولا ريب في أن ثمة أسبابا أخرى لهذا الانصراف الدؤوب لتصنيف هذه الموسوعة ، ومنها
كون الباحث بدويا يعتز بتراثه ، ويعنيه عناية كبيرة أن يحفظه من سطوة الإهمال والنسيان
المدمرة ، ومنها أيضا أن الموسوعة جزء من موجة فلسطينية كبيرة تحركت تالية لحرب
1967 ، واستهدفت توكيد الهوية الفلسطينية من خلال عمق التراث في مواجهة آلة التجريف
والتشويه الصهيونية لمقومات ومعالم تلك الهوية . وظهرت ضمن تلك الموجة منذئذ كتب كثيرة
في هذا الميدان منها تمثيلا لا حصرا ما كتبه الباحث نمر سرحان ، ومنها " معجم
الأمثال الفلسطينية " الضخم لحسين لوباني ، وكتاب " الأغاني الشعبية الفلسطينية
في قطاع غزة " لخالد جمعة وجميل العبادسة ، وسواها من الكتب . واهتم المنهاج الدراسي
الفلسطيني الجديد الموحد بين الضفة وغزة بالتراث الفلسطيني الشعبي في مختلف المراحل
الدراسية . ويبدو الباحث عرفان في الجزء الأول من موسوعته حريصا أوسع الحرص على تيسير
الاستفادة للقارىء من هذه الموسوعة التي نأمل أن يعينه الله _ تعالى _ على طباعة أجزائها
الأربعة الباقية التي يتناول فيها الفروع الأخرى من التراث الشعبي البدوي مثل الحكايات
والأغاني كما فهمت منه في لقاء جمعنا معا منذ شهور . وتبين آيات حرصه على استفادة القارىء
من الموسوعة في تجليات كثيرة . قسم الجزء الأول تسعة أقسام وفق الموضوعات مبتدئا ب
" أمثال الحكمة والديانة ومكارم الأخلاق " ومختتما ب " أمثال عامة
" . ويستهل أمثال كل قسم بتوضيح الظروف المتنوعة التي استنبتت تلك الأمثال دون
سواها . ويضع في ختام هذا الجزء تحليلا لمفردات البيئة البدوية الواردة في الأمثال
من أسماء لحيوانات وطيور برية وأهلية وزواحف وحشرات ونباتات ومهن ، وغير ذلك من الأسماء
والألفاظ . ويشرح كل مثل شرحا يبين فيه معنى ما قد يصعب على القارىء فهمه من كلمات
، ويتبع هذا الشرح الجزئي بشرح كلي للمثل وما يقال فيه من أحوال . وشرحه دقيق مصيب
. وعمد في المقدمة إلى بيان بعض خصائص اللهجة البدوية الصوتية مثل تسكين أواخر الكلمات
، وحذف حرف أو أكثر من الكلمة ، وحذف الهمزة في آخر بعض الكلمات ، وغير ذلك من الظواهر
الصوتية في اللهجة البدوية . ومعروف في علم الأصوات أن كل هذه الظواهر تستهدف التخفيف
والتسهيل على الناطقين للهجة ، وكلها موجودة في اللغة الفصيحة ، الأمر الذي يؤكد القرابة
بين اللهجة واللغة الفصيحة ؛ خاصة اللهجة البدوية لبعدها عن التلوث اللغوي الذي يصيب
عادة لهجة أهل المدن للتنوع البشري فيها وتعرضها لتيارات لغوية وثقافية أجنبية ، وهو
ما لا يوجد في البادية . ويستشهد الباحث على القرابة بين اللهجة واللغة الفصيحة بقول
محمود تيمور :" أم الفوارق بين العامية والفصحى ظاهرة الإعراب " . أنفق الباحث
عرفان 15 عاما في تصنيف هذه الموسوعة ، وهي ليس بالزمن القليل ، وحصر مجال بحثه في
دائرة ضيقة ، ومن شأن هذا الحصر أن يقلل غلة الحصاد ، ولكنه بجلد الباحث الحق ، وإخلاص
الفلسطيني الغيور على تراث شريحة من مجتمعه ؛ تمكن من جمع مادة غزيرة وفيرة مقربة إلى
عقل وقلب كل قارىء مهما كان تواضع مستواه المعرفي ، وأكد في البحث الذي اختار النقب
الفلسطيني وسيناء المصرية مجالا له التقارب بين أبناء الشعبين في أخص خصائص البشر
: اللغة والثقافة والروح والقيم ، ولا نتحدث عن رابطة الدم والنسب بين سكان المنطقتين
. " موسوعة التراث الشعبي البدوي " منجز ثقافي معرفي وطني كبير ، وحبذا
لو تعين جهة وطنية فلسطينية الباحث عرفان على طباعة ونشر الأجزاء الأربعة الباقية
. كفاه ما عاناه في تأليفها .